
أحلام الطفولة الضائعة و المسروقة "التسول"

وكالات _ عندما ننام في حُلم طويل نحتاج إلى مدافع لهزيمة ما توقظنا على حقيقة الواقع والحقيقة التي تكشف عنها متعدّدة الأوجه والمجالات .
لنلقي معاً نظرة خاطفة على مستقبل الطفولة في قطاع غزة ، نسمع عن الدعوة إلى المساواة و الحرية، الدعوة إلى السلام و المحبة، و الديمقراطيات كما يدعيها أصحاب الشأن لنرى هول الجريمة التي تقض مضاجع الاطفال و تطفئ شمعات مستقبلهم البريء في مدينة غزة .
فمن الظلم اللاحق بالمرأة ابنة وزوجة وأمّا , إلى معاناة المواطن العادي ؛ إلى الآمال والأحلام المسروقة؛ إلى كثير من المواقف والحكايات الواقعية الحافلة بالعبر والدروس لكن ثمّة نوافذ للأمل .
هؤلاء البراعم الغضة، ذبحوا أحلامهم الوردية على عتبات المال ، كتبوا قوانين حمايتهم في سجلات المنظمات الدولية بقرطاس مداده الدماء النازفة من أوردة أولئك الملائكة الصغار هي صدى صرخات أطفال جائعة تنهش فيهم معدهم الخاوية في زحمة السوق يترجلون بحثا عن مستقبل أفضل لتحسين الحال، والتخلص من دوامة الفقر والحاجة التي تلازمهم ليل نهار، أطفال بعمر الورد يشقون طريقهم بلا بوصلة ولا سلاح، إلا بعزيمة ونظرة تفاؤل لمستقبل مشرق، آملين بمعافاة الحال من الضيق الحاصل والفرج القريب لكي يحيوا ميسورين.
هي أحلام الطفولة الفقيرة التي يترجمونها في عملهم تحدياً للفقر والجوع، وبحثاً عن مساندة العائلات، أفعال متناقضة ومتعارضة يسلكها الأطفال مُجبرين بفعل الضائقة المالية الجاثمة على صدورهم في ظل هذا الحصار المفروض .
فبمجرد دخولك الى ميدان فلسطين ورؤيتك لحجم المصيبة التي تتناثر بداخلها، تعلم أنك تعايش تهديداً حقيقيا لمستقبل فلسطين، ويأخذك الفضول للبحث عن أسباب هذه الحالة التي تشوه التركيبة المجتمعية وتفقد الطفولة أهم حقوقها الشرعية ألا وهي حق التعليم والأمان.
محمد ماهر (13 عاما) من حي الزيتون ، يعمل بائع للنعناع على بسطة صغيرة في شارع فهمي بيك منذ 3 سنوات، قال منذ خروجي من المدرسة بسبب الوضع المادي المزري الذي تعانيه عائلتي أجبرت على البحث عن أي فرصة عمل، وكان المكان الأول والذي لم اخرج منه حتى اللحظة هنا في مدينة غزة ، أتنقل كل فترة وأخرى بين سوق وأخر لدرجة أنني أحفظ كل تفاصيل السوق، وأصبحت لدي معرفة جيدة بطرق البيع والتعامل مع الزبائن، وتابع فارس أعمل على مدار الأسبوع وفي بعض الأحيان أعطل يوم الجمعة، وكل ما اكسبه نحو 30_40 شيكل يوميا أقدمها للبيت لتلبية احتياجاته .
معاناة مستمرة وإساءة بحق الأطفال أما عماد مدوغ (16 عاما) من بيت لاهيا شمال غزة ، فقد ترك المدرسة وهو في الصف السابع ، يعمل في السوق لنقل الخضار للتجار مقابل المال، وينقل البضائع التي يشتريها الزبائن، ويوصلها لمجمع السيارات المحاذي للمستشفي الأهلي بغزة بواسطة عربته التي تعينه في عمله، وبخصوص وضع عائلته وإخوانه فقد إكتفى عماد بقول الحمد لله تلاها الصمت الحزين دون أن يوضح أي شيء أخر، وبجوابه عن السؤال حول سبب تركه للتعليم، أوضح أن المدرسة بحاجة لمصاريف متعددة، مشتكيا بالوقت ذاته من طول الحصص الدراسية التي تسبب له الملل والكسل، وأكد ان العمل بحاجة الى جهد كبير وهو متعب لكنه يفضله عن الدراسة، وقال عماد نحن في السوق نعد اكثر من 50 طفلا يعملون بشكل كامل أو متقطع، وتزداد نسبة الأطفال الذين يعملون في فترة الصيف والمواسم وذلك بحثا عن المصروف الخاص لكل طفل، واشتكى عماد من المشاكل التي يواجهها خلال عمله، وقال أواجه العديد من المشاكل وتوجه لي بعض الإهانات من المارة مبررين فعلهم هذا بسبب توقفي بعربتي في الطريق مما يعطل سيرهم، عدا عن المشاكل التي يبتكرها أصحاب المحال التجارية والبسطات، والكثير من الإهانات التي نتعرض لها من قبل الزبائن وأصحاب العمل.
عبد (17عاما) من مدينة غزة ، ترك الدراسة في سن مبكر ويعمل في بيع الخضار والفواكه التي يحصل عليها من أحد تجار ويبيعها لحسابه الخاص، ويقول عبد كنت أعمل بشكل متقطع وأنا في المدرسة لكي أدعم اسرتي بصفتي الابن البكر للعائلة، وأبي عاطل عن العمل لا يقوي على توفير كل مستلزمات البيت، فنحن اربعة ابناء وبحاجة للكثير من الاحتياجات، ولكنني لم استطع الاستمرار في ذلك فتركت المدرسة مبكراً لكي اساهم مع أبي، فمهما كان التعليم مهم إلا أن توفير لقمة العيش أهم .
وفي مقابلة مع الأستاذ جميل عاشور قال علينا توفير الحماية والرعاية والتأهيل للأطفال الذين يتعرضون لكافة أشكال الإساءة والاستغلال، ومنهم الأطفال المتسربون من المدارس، والأطفال المضطرين للعمل لظروف معيشية سواء كانت ظروفاً تربوية تعليمية أو اجتماعية أو اقتصادية، وذلك كله بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية.
وأوضح عاشور يجب أن نعمل وفق برامج خاصة لحماية الأطفال، ونظام التحويل للأطفال المعنفين، وشبكات حماية الطفولة في المحافظات للذين يتعرضون لكافة أشكال العنف والإساءة والاستغلال، من خلال طاقم مختص من المرشدين الاجتماعيين للوصول للأطفال الذين يتعرضون للإساءة، حيث يقوم المرشدون بتنفيذ حملات تفتيشية على الاطفال الذين يعملون سواء في المنشآت أو الأسواق مثل سوق الخضار أو على الحواجز والإشارات الضوئية.
ويتم التعامل معهم من خلال مرشدي مراكز حماية الطفولة، بهدف توفير الحماية والرعاية اللازمة للأطفال خاصة المتسربين من المدارس والمتجهين نحو سوق العمل، من خلال إستدعاء أولياء أمورهم وفتح ملفات رعاية ومتابعة لأوضاعهم.
وأكد عاشور يجب على المنظمات الاهلية الفلسطينية، أن تعمل لمساعدة هؤلاء الأطفال من خلال إعادتهم للمدارس حفاظاً على حقهم في التعليم، بعد فحص الأسباب والدوافع التي تجبر الأطفال على الخروج من المدرسة، ويتم على أثر هذا التقييم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحل المشكلة، وإذا كان الدافع اقتصادي نقوم بتقديم مساعدات للأسر من خلال الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية، بالإضافة للتدخلات الاخرى .
قتلوا أحلام الطفولة، و استبدلوا براءتها بالقتل والكره والاضطهاد و الاستغلال في انتهاك واضح لأبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، وفي ظل صمت عربي ودولي، أجهزت قوات الاحتلال على عدد من الأطفال المحاصرين في غزة والمحرومين من مقومات الحياة تدور عجلـة التـاريخ وتأبى سنة الحيــاة الا أن تجبـر الأقدار على أن تسوق لنـا أحلاماً جديدة أحلامـاً لانعرفها ولم نعشها . نرضى بهـا أو لا نرضى فحتماً لن نشعر بروعتها
وتبقى لـ أحلام الطفـولة الضائعــة رونقـاً خـاصاً وذكرى جميــلة .